07:28AM
كتب جوزيف القصيفي في الجمهورية:
كانت مراسم وداع البابا فرنسيس التي تمثلت بالجنازة الضخمة والحاشدة رسمياً وشعبياً - على بساطتها - إنفاذاً لوصية الحبر الراحل، دلالةً مضافة إلى المكانة التي يحتلها الفاتيكان على مستوى الإنسانية. مكانة عابرة للحدود، والزمن، لم تتمكن الدول العظمى الممسكة بمصائر الشعوب والأوطان أن تنتزعها من هذه الحاضرة التي ترفع راية السلام والإخاء بين بني البشر على اختلاف أجناسهم، وأعراقهم، ودياناتهم.
وإذا كان فرنسيس بابا الفقراء والمهمّشين الذي ابتعد في حياته عن كل ما يخدش تواضعه ويُقيم فاصلاً بينه وبين العاديِّين من الناس، فإنّ هذا المسلك الروحي - الإجتماعي، لم يصرفه عن إطلاق مواقف واضحة وصريحة من الحرب والعنف، والظلم، وانتفاء العدالة، والوقوف في وجه الشر والأشرار. وإنّ عمق إيمانه بأنّ الإنسان قيمة مطلقة، وإنّ الحياة هي هبة الله، وحق كل فرد فيها، تكرّسه الشرائع السماوية، رفع الصوت ضدّ الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان وغزة، وندّد بها بوتيرة مكثفة، ما سبّب غضباً كبيراً في تل أبيب التي «شمتت» برحيله، وسلّطت إعلامها ومواقع التواصل فيها لمهاجمة دوره في هاتَين الحربَين التي ذاق اللبنانيّون والفلسطينيّون من أهوالها ما يفوق التصوّر، وسط صمت دولي وعربي لا سبيل إلى إنكاره. كما كان تمثيل الدولة العبرية المنخفض في مراسم الجنازة علامة واضحة على ما تكنّه له من مشاعر عداء. وحده البابا فرنسيس كان صَوت الضمير الإنساني المعذب، والمسحوق تحت مطرقة الاستراتيجيات الدولية والإقليمية المتدافعة، التي تأخذ في طريقها كل ما تعتبره تفصيلاً يمكن أن يكون مصدر «إزعاج» لها، أو «إعاقة» إلى حين.
يغيب البابا فرنسيس، لكنّ ظل الكرسي الرسولي سيبقى وارفاً، ودوره لن يعرف الانكفاء، فهو ممتد في الزمن منذ ولادة المسيحية. إنّ الفاتيكان أظهر في غير مناسبة واستحقاق أنّه مع الحوار بين الأديان، ولاقى المبادرات التي قامت لهذه الغاية بإيجابية، فكانت مشاركة البابا فرنسيس في توقيع وثيقة «الأخوة الإنسانية» في دولة الإمارات العربية المتحدة، واللقاء مع شيخ الأزهر الذي اتسم بالحيَوية والرغبة في تقديم المشتركات بين المسيحية والإسلام تعزيزاً لروح الإخاء والشراكة الإيمانية بالله الواحد، آب جميع الديانات السماوية ومرجعها. على أنّ لقاءه مع المرجع الشيعي آية الله السيستاني لدى زيارته العراق، كان غنياً في دلالاته وعميقاً في مضمونه، وهذا ما عكسه البيان الصادر عن هذا اللقاء.
بابا الحوار أكمل ما بدأه أسلافه من حوار مسكوني مع الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الإنغليكانية والكنيسة الإنجيلية من أجل وحدة الكنائس المسيحية. في أي حال ما كان لبنان يوماً غائباً عن الكرسي الرسولي، فهو في صلب اهتماماته اليومية، يسكن معه، وليس من قبيل المغالاة القول إنّه كان ولا يزال همّه الدائم. ويضيق المجال بإيراد تفاصيل المبادرات والمساعي التي اضطلع بها من أجل الدفاع عنه، وإنهاء محنته، ووقف الحروب فيه وعليه وآخرها الحرب الإسرائيلية. إنّ المجمع الإنتخابي سيختار خلفاً للبابا فرنسيس بالاقتراع السرّي ليتابع المسيرة التي بدأها أسلافه، والبابا المُنتظر أن يُنبئ الدخان الأبيض انتخابه، سيعكس اتجاهات الكنيسة الكاثوليكية في زمن التحدّيات التي تواجهها: زمن الذكاء الاصطناعي، الثورة الرقمية، تبدّل سلّم القِيَم الإنسانية واختلاف النظرة إليه. كذلك، زمن ازدياد مخاوف الكنيسة من تغيير هوية أوروبا بفعل الهجرات غير الشرعية ونمو مَوجة «الإسلاموفوبيا». ومن مؤشرات تردّدات هذه المخاوف والتحدّيات، ما يحمله المشهد السياسي في عدد من بلدان هذه القارة من تبدّلات لمصلحة اليمين المتطرّف.
إنّ أمام مجمع الكرادلة ثلاثة خيارات خلال عملية الاقتراع:
1- انتخاب بابا يستكمل نهج البابا فرنسيس وخطّه وخطته في الانفتاح، والتفاعل مع الآخر المختلف إيجاباً، ويمضي قدماً في توسيع دائرة انفتاحه بمعزل عن خصوصيات وهواجس الكنائس في كل بلد.
2- إنتخاب بابا متشدّد ومحافظ لا يواجه أو يدخل في نزاع مع الاتجاهات القومية في البلدان ذات الغالبية الكاثوليكية، خصوصاً في أوروبا التي تراجع فيها دور الكنيسة كثيراً، مقابل حضور إسلامي ناشط من شأن تمدّده بالحيَوية البادية أن يؤدّي إلى تغيير في هويّتها. بل يُقدّم لها الدعم والمسوّغات.
3- إنتخاب بابا يكون على مسافة واحدة من التيارَين اللذَين برزا بقوة داخل الكنيسة الرومانية، مع التذكير أنّ مثل هذا التجاذب لازم الكنيسة منذ عصورها الأولى.
أياً تكن هوية البابا الذي سيخلف سلفه فرنسيس، فإنّ التزام الفاتيكان بلبنان والدفاع عنه، بلداً موحّداً أرضاً وشعباً، تعدّدياً، وموئلاً للحوار الميداني من خلال العيش الواحد، لا النظري فحسب، هو التزام ثابت لا جدال فيه، وقد دلّت الأحداث والاستحقاقات إلى ذلك، حتى قبل أن أعطى البابا يوحنا بولس الثاني لبنان توصيف «وطن الرسالة».
المصدر : الجمهورية
شارك هذا الخبر
الأحدب يلتقي رئيس الحكومة ووزير العدل لمناقشة قضايا طرابلس
قمة الدوري الجزائري تُلعب خلف الأبواب المغلقة
لا تجربوا الأدوية على أطفالكم.. أدوية للبالغين قد تشكل خطورة على الأطفال
عقوبات أميركية على كيانات وأفراد في إيران والصين
سباق إيطاليا للدراجات يكرم البابا فرنسيس في مرحلته الأخيرة
"تشات جي بي تي" يتيح لك التسوق مباشرة عبر التطبيق
تكتل "لبنان القوي" يطالب الحكومة بالكشف عن حقائق ملف النازحين السوريين
بنسخته الثالثة.. انطلاق OMT Beirut Sports Festival بمشاركة الأسطورة البرازيلية Roberto Carlos
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa